تمهيد :
عرف الشرع المغربي عقد الكراء في الفصل 6277 من ق ل ع بقوله ” الكراء عقد بمقتضاه يمنح أحد طرفيه للآخر منفعة منقول أو عقار، خلال مدة معينة في مقابل أجرة محددة، يلتزم الطرف الآخر بدفعها له.”
كما نص في الفصل 6288 من نفس القانون على مبدأ رضائية العقد بقوله” يتم الكراء بتراضي الطرفين على الشيء والأجرة وعلى غير ذلك مما عسى أن يتفقا عليه من شروط في العقد.”
فالأصل في عقد الكراء أنه عقد رضائي، يخضع مثله مثل مجموعة من العقود للقواعد العامة الواردة في ق ل ع من حيث نشأته.
وقد حافظ ظهير 19555 الملغى طيلة العقود الماضية على مبدأ الرضائية في إبرام العقد عند سمح للأطراف العلاقة الكرائية بالاتفاق على مضامين العقد من جهة، وعدم تطلبه لأية شكلية معينة يجب على الأطراف احترامها عند ابرام العقد من جهة أخرى مما خلف في الواقع العملي طغيان العقود الشفوية على العقود الكرائية الموثقة .
إلا أن هذا الوضع طرح العديد من المشاكل خاصة على مستوى العمل القضائي ، مما جعل المشرع يحاول تجاوزها من خلال تبني توجه جديد -رغم عدم وضوحه-يسير نحو تقييد مبدأ رضائية عقد الكراء إلى تبني نظام الشكلية .وهو ما ضمنه المشرع من خلال القانون رقم 49.16
وللإحاطة بمختلف هذه الأحكام قسمنا الموضوع إلى مبحثين ،حيت خصصنا الأول لشكلية عقد الكراء ،في حين عرضنا في الثاني لموقف الفقه منها والذي من خلاله سوف نبحت عن طبيعة هذه الشكلية وأثار تخلفها .
المبحث الأول : شرط الكتابة في عقد الكراء التجاري وأثار تخلفها
-إن القراءة المتأنية لمقتضيات القانون رقم 49.166 تكشف لنا أهم المستجدات التي جاء بها المشرع المشرع المغربي والمتمثلة في فرضه للكتابة وذالك من خلال تطلبه تحرير العقد بمقتضى محرر ثابت التاريخ هذه الكتابة التي قد تكون في محرر كتابي (مطلب أول )أو بمقضى عقد إلكتروني (مطلب تاني)
المطلب الأول :العقد الكتاب
تعتبر الكتابة من أهم المستجدات التي جاء بها المشرع في القانون رقم 49.166 حيث نصت المادة الثالتة على ما يلي ” تبرم عقود كراء العقارات أو المحلات المخصصة للإستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي وجوبا بمحرر رسمي ثابت التاريخ
عند تسليم المحل يجب تحرير بيان بوصف حالة الأماكن يكون حجة بين الأطراف ”
والملاحظ أن المشرع نص على وجوب إبرام عقد الكراء كتابة بمحرر ثابت التاريخ ،سواء كان محررا رسميا أو عرفيا ،وذالك إنسجاما مع المادة الثالتة من القانون رقم 67.12 المتعلق بتنظيم العلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحلات المعدة للسكنى أو الإستعمال المهني.
بالإضافة إلى التنصيص على وجوب تحرير بيان بوصف حالة الأماكن عند تسليم المحل بمقتضى الفقرة التانية من نفس المادة وذالك من أجل تمكين طرفي العلاقة الكرائية من وسيلة فعالة تبين الحالة المادية للعين المكتراة ومميزاتها ومحتوياتها .
ويرى بعض الفقه أن المشرع إن كان لم يعرف المحرر الثابت التاريخ ،فإنه يمكن إعتبار تسمية المحررات الثابتة التاريخ هي تسمية جديدة للمحررات العرفية ، وما يؤكد ذالك هو ما قضت به محكمة النقض في إحدى قراراتها حيت إعتبرت “أن العقد الذي رفض المطلوب تقيده بالرسم العقاري ليس محررا رسميا إنما هو مجرد محرر ثابت التاريخ صادر عن محامي مقبول للترافع أمام محكمة النقض “
وعموما ،تكمن أهمية الكتابة بالنسبة للمكتري في كونها وسيلة إثبات خصوصا حينما يتعلق الأمر بتجديد عقد الكراء،بإعتباره هذا الأخير كحق منه المشرع لهذا الأخير .
غير أن الملاحظ من خلال إستقراء مضمون المادة التالثة أنها حددت وصف الشكيلية التي ينبغي توفرها في عقد الكراء التجاري لإنعقاده وقيامه صحيحا ومنتجا للأثاره ،غير أن المشرع المغربي لم يحدد الأشخاص المؤهلون لتحرير هذه العقود الكرائية مما يدفعنا للقول بوجود فراغ تشريعي يفتح الباب على مصرعيه بخصوص ثوتيق هذا الإثبات .
ومن جهتنا نرى أنه من أجل التخفيف من حدة هذا الإشكال يمكن الإستناد على مضمون المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية والتي تنص على مايلي “يجب أن تحرر -تحت طائلة البطلان -جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو إنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها بموجب محرر رسمي .أو بمحرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محامي مقبول للترافع أمام محكمة النقض ما لم ينص القانون على خلاف ذالك .
يجب أن يتم توقيع العقد المحرر من طرف المحامي والتأشير على جميع صفحاته من الأطراف ومن الجهة التي حررته.
تصحح إمضاءات الأطراف من لدن السلطات المحلية المختصة ويتم التعريف بإمضاء المحامي المحرر للعقذ من لدن رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الإبتدائية التي يمارس بدائرتها “.
بل أبعد من ذالك يحق للموثق أن يحرر العقود الثابتة التاريخ،على إعتبار أن المشرع لم يمنعه من ذالك وإن كانت العقود التي يحررها الموثقون تكييف بوصف الرسمية والحجة في ذالك أن الأصل في الأشياء الإباحة لأنه لو أراد المشرع منع الموثق من ذالك لنص على ذالك صراحة.
كما أنه من بين الإشكالات التي تفرزها المادة الثالتة من القانون رقم 49.166 أنها إكتفت بوجوب تحرير عقد الكراء في محرر ثابت التاريخ دون الإصرار على التصديق عليه أوتصحيح إمضاءات الأطراف المتعاقدة وهو ما يتعارض مع المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية و التي علقت إنتاج أثار المحرر الثابت التاريخ الموقع من طرف المحامي المقبول للترافع أمام محكمة النقض على شرط التصديق عليه من طرف رئيس كتابة الظبط المتواجد بدائرتها ، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يجب إشهار عقود الأكرية في الرسم العقاري إذا تجاوزة مدتها ثلاث سنوات .
ويمكن القول أن الهدف من إلزامية تحرير عقد الكراء في مجرر ثابت التاريخ دون الإشارة إلى الجهات المؤهلة لتحريره ماهو إلى محاولة من المشرع لتبسيط مساطر هذا التصرف والدفع بعجلة الدورة الإقتصادية وكذا إستقرار المعاملات و التخفيف من حدة القضايا المعروضة على القضاء.
الفقرة الثانية : العقد المبرم بالطريقة الإلكترونية
لقد ساهم التطور الإقتصادي والإجتماعي الذي عرفته المعاملات اليومية في الآونة الأخيرة أن ظهرت العديد من الوسائل والتقنيات الجديدة التي عوضت المسائل التقليدية المعتادة لتنظيم التعاملات ، حيث أدى هذا التفاعل بين تكنولوجية الإتصالات والتعاملات اليومية إلى ظهور أشكال جديدة من العقود ،وتماشيا من عولمة الإقتصاد وسعيا نحو تنظيم العلاقات التعاقدية بين أفراد المجتمع ، فقد نظم المشرع ذالك بمقضى القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية .
وهكذا إذن يمكن للإطراف العلاقة الكرائية إبرام عقذ الكراء التجاري يطريقة إلكترونية وذالك على إعتبار أنه لا يوجد نص قانوني يمنعهم من ذالك ، فالكتابة كما تتم على الورق يمكن أن تتم عبر المحرر الإلكتروني ، وتكمن ميزة العقود الإلكترونية في إمكانية التعاقد بين غائبين دون ضرورة حضورهما أو إلتقائهما أثناء التعاقد وبالتالي ضمان إستقرار المعاملات عن بعد.
والجدير بالملاحضة أن المشرع المغربي لم يعرف لنا المحرر الإلكتروني كما فعل بالنسبة للمحررات الرسمية أو العرفية ، إنما إكتفى بتحديد شروط المحرر الإلكتروني المثمثل في الكتابة و التوقيع .
ويعد هذا الأسلوب من الكتابة من إحدى صور التعبير عن الإرادة في شكل مادي ظاهر وفي شكل معادلات خوارزمية تنفد من خلال عمليات إدخال البيانات وإخراجها عبر جهاز الحاسوب والتي تتم عن طريق تغدية الجهاز بهذه المعلومات بواسطة وحدات الإدخال والتي تتبلور في لوحة المفاتيح وإسترجاع المعلومات المخزنة في وحدة المعاجة المركزية،
كما أحدث جهازا حكوميا يسهر على المصادق على المصادقة على التوقيع الإلكتروني، لضمان نزاهة وشفافية المعاملات الإلكترونية والمتمثل في السلطة المكلفة بإعتماد ومراقبة المصادقة الإلكترونية ،فمهمتها الأساسية تكمن حسب المواد من 15 إلى 19 من القانون رقم 05-53، في ضمان إحترام مقدمي الخدمان المصادقة الإلكترونية الذين يسلمون شهادات الإلكترونية مؤمنة، للإلتزامات المنصوص عليها في هذا القانون والنصوص التنظيمية له .
ويعتبر المحرر الإلكتروني دليلا كتابيا لإثبات العلاقة الكرائية في حالة لجوء أطرافها للإتخاد شكل العقد الإلكتروني، إذ في هذه الحالة تتمتع الوثيقة المحررة على دعامة
إلكترونية بنفس قوة الإثبات التي تتمتع بها الوثيقة المحررة على الورقة حسب الفصل 1-417 من ق.ل.ع.
المبحت الثاني:الشكلية لإنعقاد أم لإثباث وأثار تخلفها :
لقد كانت غاية المشرع من خلال النص على إلزامية تحرير عقد الكراء في محرر ثابت التاريخ بمو جب المادة الثالتة من أجل تفادي المشاكل التي عانت منها المحاكم لإتباث
وجود العقد، وعلى حد تعبير السيد وزير العدل بمناسبة عرضه المشروع على أنظار مجلس النواب ،أن القانون الجديد يسعى إلى حماية المحلات ،وهذه الحماية يجب أن تكون مبنية على قواعد ثبوتية قوية .
غير أن هذه المادة قذ أثارت نقاشا فقهيا كبيرا حول طبيعة هذه الشكلية هل هي للإنعقاد أم لإثبات؟،وذالك في ارتقاب أن يقول القضاء كلمته مستقبلا حول طبيعة هذه الشكلية، وعلى هذا الأساس سنحاول مناقشة الإشكال الذي طرحته هذه المادة من خلال عرض المواقف الفقهية المختلفة بخصوصها (الفقرة الأولى) ،وهذا دون أن ننسى الأثار التي يمكن أن تخلفها في حالة عدم تحرير العقد كتابة (الفقرة الثانية )
الفقرة الأولى: الكتابة في عقد الكراء، للانعقاد أم للإثبات؟
لم يكن تطور موقف المشرع المغربي وذالك بإنتقال من مبدأ الرضائية في عقد الكراء إلى تبني نظام الشكلية وليدة الصدفة، بل جاء نتيجة مجموعة من الأسباب التي دفعته إلى تكريس الكتابة في هذا النوع من العقود، وتتجلى أهم هذه الأسباب في:
محاربة التملص الضريبي : يبدو على أن الهاجس الاقتصادي الجبائي حاضر بقوة في تكريس شكلية عقد الكراء ،وهذا ما تظهره وبشكل جلي الأعمال التحضيرية لهذا القانون، حيث أكد الوزير المكلف بإعداد هذا القانون و كذلك مجلس النواب على أن توثيق عقود الأكرية المخصصة لإستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي وفق مقتضيات المادة الثالثة سيمكن من تحصيل مداخيل جبائية مهمة،بحيت أنه عند إبرام عقد الكرام وفق المادة الثالثة يجب أن يخضع لواجبات التسجيل الذي تخضع له المحررات والاتفاقات كما تنص على ذلك المادة 127 من المدونة العامة للضرائب.
التخفيف من حدة النزاعات المتعلقة بالأكرية المعروضة على القضاء للفصل فيها : وتعتبر هذه الوضعية نتيجة سلبية من نتائج العقود الشفوية والتي تؤدي في الغالب نزاعات تتمحور أساسا حول إما إثبات العلاقة الكرائية التي تتطلب جهدا قضائيا يقتضي بالضرورة الرجوع إلى القواعد العامة الخاصة بالإثبات المتميزة ببطء مساطرها وتعقدها لحل نزاع ،وإما إثبات السومة الكرائية والتي تعتبر من أكثر النزاعات شيوعا كنتيجة للعقد الشفوي الذي يتفق فيه المكري و المكتري في البداية على مبلغ السومة الكرائية ونسبة الرفع منها وطريقة استيفاءها، إلا أنه غالبا ما يتنكر أحد الطرفين من بعض هذه الالتزامات مما يعلن عن بداية نزاع يكون مآله ملف إضافي من بين آلاف الملفات المتراصة في المحاكم.
ترسيخ التوجه السائد اليوم في مجال المعاملات : والذي يتمثل في اعتماد توثيق العقود لما يوفره هذا الإجراء من وضوح وشفافية وحماية للمتعاقدين .
ومن المؤكد على أن نظام الشكلية يوفر مجموعة من الضمانات والحماية للمتعاقدين، وأن موقف المشرع المغربي بخصوصه مقبول في عقد الكراء لاقتناع الجميع بدور هذا النظام في تجاوز مجموعة من السلبيات التي خلفها ظهير1955 والتي عانت منها المحاكم وخاص فيما يتعلق بإثبات العقود التي تعتمد على الشفوية ، إلا أن ما يعاب على المشرع المغربي هو عدم وضوحه بخصوص طبيعة هذه الشكلية التي تتجلى في الكتابة الواردة في المادة الثالثة من قانون الكراء الجديد رقم49.16 التي أثارت لبسا لدى الجميع و شكلت مصدر إزعاج لدى الكثيرين بخصوص طبيعة العقد الكتابي مما يدفع بنا إلى التساؤل حول ما هي طبيعة عقد الكراء هل هي لإنعقاد أم لإثبات ؟
وبخصوص ذالك فقد برز اتجاهان فقهيان حول طبيعة الكتابة الواردة في المادة الثالثة والتي سنحاول التطرق لهما كالآتي:
أ -لاتجاه الأول: الكتابة شكلية انعقاد :إعتبر هذا الإتجاه أن أن الغاية المتوخاة من هذا القانون أن تكون العلاقة الكرائية موثقة لما توفره الكتابة من شفافية واستقرار المعاملات والتصريحات بالعقود أمام السلطات الجبائية وحل المنازعات المتعلقة بالإثبات.
وإعتبر هذا الجانب أن المشرع عندما نص على ضرورة الكتابة فإنه إرتقى بها لإعتبارها شكلية إنعقاد.
ويستند هذا الاتجاه في تدعيم رأيه على صياغة المادة الثالثة “تبرم عقود الكراء العقارات أو المحلات المخصصة للإستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي وجوبا بمحرر كتابي ثابت التاريخ…” فكلمة يبرم تدل على كتابة العقد أما عبارة وجوبا فتأمر أطراف العلاقة الكرائية بتوثيق العقد في محرر كتابي ثابت التاريخ .
وهكذا يرى أصحاب هذا الإتجاه أن شكلية المتطلبة هنا للإنعقاد وليست للإثبات فهي تقتضي لزوما وجود إلرام العقد في محرر ثابث التاريخ ،ومؤدى ذالك أن عقود الكراء التجاري الغير مكتوبة تعتبر صحيحة بدليل خضوعها للقواعد العامة المقررة في فانون الإلتزامات والعقود وهو ما نصت عليه مقتضيات المادة 37 من القانون رقم49.16،كما يتبين أن الكتابة ام تشترط ما دام أنه لا يوجد نص بذالك ،ويخضع الإثبات للقاعدة المنصوص عليها في المادة 334 من مدونة التجارة في باب العقود التجارية التي نصت على خضوع المادة التجارية لحرية ،وكذا المادة 628 من قانون الإلتزامات والعقود التي نصت على أنه يتم عقد الكراء بتراضي طرفيه على الشئ وعلى الأجرة مما عسى أن يتفقا عليه من شروط في العقد.
ب-الإتجاه التاني : الكتابة شكلية إثبات : عكس الرأي السابق، يعتبر هذا الاتجاه أن عقد الكراء لا زال عقدا رضائيا، وأن الكتابة المتطلبة بموجب المادة3 لإثبات وجود العلاقة الكرائية ليست ركنا فيها بدليل عدم ترتيب البطلان صراحة على عدم استيفاءها والتنصيص على بقاء العلاقة الكرائية سارية المفعول وخضوعها للقواعد العامة المنصوص عليها في قانون الإلتزامات والعقود وهو ما نصت عليه المادة 37، بذالك فهذه الكتابة لا تنال من مبدئية عقد الكراء وتبقى شكلية إثبات وليس شكلية إنعقاد.
وبالمقارنة بين هذين الاتجاهين، نعتقد على أن المشرع قد كان في موقف صعب ازاء الحسم في طبيعة الكتابة، ولا نقول هذا دفاعا عن موقفه المتسم بالغموض، بل نقوله هذا بالنظر إلى الواقع المعاش الذي يحمل في طياته مجموعة من التناقضات تجعل من الصعب الانتصار لموقف معين، فلو رتب المشرع جزاء البطلان عن عدم احترام مقتضيات المادة 3 كما هو الأمر في العديد من العقود لكان ذلك من العبث مقارنة مع واقع الذي يعج بالعقود الشفوية، ولا كان هذا الأمر سيؤدي إلى خلق نوع من الاضطراب في صفوف المكترين الذين قد يصبحون مهددين من طرف المكرين بالمطالبة بالإفراغ لعدم وجود عقد الكراء، كما أن المشرع سيصطدم لا محال كان قد اتخد هذا التوجه بمصير العقود الكرائية الزهيدة والتي سيكون أطرافها ملزمين بإبرام محرر كتابي ثابت التاريخ وخاضع للتسجيل لدى المصالح الجبائية.
أما إذا تبنى المشرع الموقف الذي يعتبر الكتابة شكلية واجبة للإثبات لوقع في نفس المشكل السالف الذكر حيث لا يمكن إثبات العلاقة الكرائية إلا بمحرر ثابت التاريخ مما سيطرح من جديد مصير العقود غير الموثقة من حيث إثباتها.
أما عن موقفنا فنعتقد أن شرط الكتابة في هذه الحالة شرط من شروط التطبيق وليس مجرد وسيلة لإثبات أو شكلية لإنعقاد بحيث أنه عند تصفح مقتضيات قانون الكراء الجديد يتأكد لنا أن المشرع لم يجعل الكتابة كشكلية مقرونة بالجزاء بل تبقى خاضعة للقواعد العامة المنصوص عليها في قانون الإلتزامات والعقود وهو مانصت عليه المادة37 ، كما أن المشرع أعطى لإطراف في هذه الحالة إمكانية تدارك الأمر وتحرير العقد في أي وقت يكون مطابقا لمقتضيات المادة الثالثة وهو ماأكده المشرع من خلال المقتضى الذي جاء به في الفقرة الثانية من المادة 38 .
على إعتبار أن هذا البيان يبقى حجة رسمية بين أطراف العلاقة الكرائية وإلا فيرجع إلى القواعد العامة لإثباث إذا حصل نزاع بين الطرفين .
وعلى هذا الأساس نعتقد كما قال بعض الفقه أن المشرع يمنح مجموعة من الامتيازات والضمانات للعقد الكتابي بمفهوم المادة 3 وفي نفس الوقت يحاول جعل المهمة صعبة على عقود الأكرية الشفوية كورقة ضغط على الأطراف من أجل توثيق العقود فالمشرع يطبق معادلة “هذه بتلك”.
ولا يمكن لأحد اليوم أن ينكر دور الشكلية الواردة في المادة 33 لما تحققه من نتائج ايجابية، كالتخفيف من القضايا المعروضة على المحاكم، وتجاوز البطء في المساطر ومحاربة التملص الضريبي،واستقرار المعاملات ووضوحها، مما سيؤدي الى تجديد ثقة الملاك والمستثمرين وتشجيعهم من أجل فتح العقارات المغلقة والاستثمار في مجال العقار وبالتالي إنعاش الإقتصاد .
وفي الأخير لا يبقى لنا الا القول على أنه يجب التعامل مع المادة 3 من القانون رقم 49.166 بنوع من المرونة بالنظر للضمانات التي توفرها الشكلية تجاه طرفي العلاقة التعاقدية وخاصة المكتري بإعتباره الحلقة الضعيفة هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إعتبار أن الأصل في عقد الكراء هو الرضائية يمكن إثباته بمحرر ثابث التاريخ وذالك من أجل تجنب دفع العقود الغير المطابقة للمادة الثالثة نحو البطلان .
ثانيا :أثار تخلف الكتابة :
الأصل أن الشكلية في العقود إما أن تكون شكلية لإثباث أو شكلية لإنعقاد ، فالأولى تعتبر وسيلة بين يدي أطراف العلاقة التعاقدية من أجل التشبت بوجود عقد يجمعهما ، أما الثانية فإنها تعتبر ركنا من أركان العقد .
ومن خلال إستقرائنا لمقتضيات المادة الثالثة من المادة القانون رقم 49.166 والتي نصت على وجوبية تحرير العقد في شكل محرر ثابث التاريخ ، وهو ما يدل على تطبيق القاعدة الفقهية ” لا شكلية إلى بنص “، غير أنه تخلف الكتابة المنصوص عليها في هذه المادة لا تؤدي إلى بطلان العقد لكونها لا تعبر ركنا من أركان العقد ، ولا وسيلة لإثباته وإنما شرطا من شروط تطبيق القانون رقم 49.16
وعليه ، فإن تخلف شرط الكتابة لا يؤدي بصفة مطلقة إلى بطلانه ،وإنما يجعل العقد خاضعا لمقتضيات قانون الإلتزامات والعقود وهو ما أكدته المادة 37 (25)، غير الصيغة التي جاءءبها المشرع من خلال الفقرة الثانية من خلال المادة 38 من نفس القانون نصت على مقتضى مخالف تماما لما تضمنته المادة 3 و37 حينما ذهبت لإعتبار أن ذهبت إلى أن الأكرية المبرمة خلافا لمقتضيات الواردة في المادة الثالثة تخضع لهذا القانون ، يمكن للأطراف الإتفاق في أي وقت على إبرام عقد مطابق لمقتضياته ، مما يدفعنا للتشكيك في موقف المشرع المغربي المتسم بالغموض ، لكن السؤال الذي يمكن طرحه في هذا الصدد هو هل ستخضع هذه العقود -الغير الموثقة- وتستفيد من مقتضيات القانون رقم 49.16 أم أنها ستبقى للمقتضيات العامة المنصوص عليها في ق.ل.ع التي تتسم بنوع من البطء والتعقيد ؟
وعموما، فإن الكتابة رغم ما سبق ، تبقى لها مكانة مهمة في كونها وسيلة إثباث في يد المكتري خصوصا فيما يتعلق بتجديد عقد الكراء بإعتبارهذا الأخير ، كحق منحه المشرع له بشرط أن يثيبث إنتفاعه بالمحل لمدة سنتين وهو ما لا يمكن أن يتم إلى بمقتضى عقد كتابي ، يتضمن تاريخ إبرامه ، ضف إلى ذالك أن شرط الكتابة سيغلق الباب في وجه المكري فيما يخص التلاعب ببنود العقد وتمييعها لمصلحته .
يجب أن يتم توقيع العقد المحرر من طرف المحامي والتأشير على جميع صفحاته من الأطراف ومن الجهة التي حررته.
تصحح إمضاءات الأطراف من لدن السلطات المحلية المختصة ويتم التعريف بإمضاء المحامي المحرر للعقذ من لدن رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الإبتدائية التي يمارس بدائرتها “.
بل أبعد من ذالك يحق للموثق أن يحرر العقود الثابتة التاريخ،على إعتبار أن المشرع لم يمنعه من ذالك وإن كانت العقود التي يحررها الموثقون تكييف بوصف الرسمية والحجة في ذالك أن الأصل في الأشياء الإباحة لأنه لو أراد المشرع منع الموثق من ذالك لنص على ذالك صراحة.
كما أنه من بين الإشكالات التي تفرزها المادة الثالتة من القانون رقم 49.166 أنها إكتفت بوجوب تحرير عقد الكراء في محرر ثابت التاريخ دون الإصرار على التصديق عليه أوتصحيح إمضاءات الأطراف المتعاقدة وهو ما يتعارض مع المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية و التي علقت إنتاج أثار المحرر الثابت التاريخ الموقع من طرف المحامي المقبول للترافع أمام محكمة النقض على شرط التصديق عليه من طرف رئيس كتابة الظبط المتواجد بدائرتها ، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يجب إشهار عقود الأكرية في الرسم العقاري إذا تجاوزة مدتها ثلاث سنوات .
ويمكن القول أن الهدف من إلزامية تحرير عقد الكراء في مجرر ثابت التاريخ دون الإشارة إلى الجهات المؤهلة لتحريره ماهو إلى محاولة من المشرع لتبسيط مساطر هذا التصرف والدفع بعجلة الدورة الإقتصادية وكذا إستقرار المعاملات و التخفيف من حدة القضايا المعروضة على القضاء.
الفقرة الثانية : العقد المبرم بالطريقة الإلكترونية
لقد ساهم التطور الإقتصادي والإجتماعي الذي عرفته المعاملات اليومية في الآونة الأخيرة أن ظهرت العديد من الوسائل والتقنيات الجديدة التي عوضت المسائل التقليدية المعتادة لتنظيم التعاملات ، حيث أدى هذا التفاعل بين تكنولوجية الإتصالات والتعاملات اليومية إلى ظهور أشكال جديدة من العقود ،وتماشيا من عولمة الإقتصاد وسعيا نحو تنظيم العلاقات التعاقدية بين أفراد المجتمع ، فقد نظم المشرع ذالك بمقضى القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية .
وهكذا إذن يمكن للإطراف العلاقة الكرائية إبرام عقذ الكراء التجاري يطريقة إلكترونية وذالك على إعتبار أنه لا يوجد نص قانوني يمنعهم من ذالك ، فالكتابة كما تتم على الورق يمكن أن تتم عبر المحرر الإلكتروني ، وتكمن ميزة العقود الإلكترونية في إمكانية التعاقد بين غائبين دون ضرورة حضورهما أو إلتقائهما أثناء التعاقد وبالتالي ضمان إستقرار المعاملات عن بعد.
والجدير بالملاحضة أن المشرع المغربي لم يعرف لنا المحرر الإلكتروني كما فعل بالنسبة للمحررات الرسمية أو العرفية ، إنما إكتفى بتحديد شروط المحرر الإلكتروني المثمثل في الكتابة و التوقيع .
ويعد هذا الأسلوب من الكتابة من إحدى صور التعبير عن الإرادة في شكل مادي ظاهر وفي شكل معادلات خوارزمية تنفد من خلال عمليات إدخال البيانات وإخراجها عبر جهاز الحاسوب والتي تتم عن طريق تغدية الجهاز بهذه المعلومات بواسطة وحدات الإدخال والتي تتبلور في لوحة المفاتيح وإسترجاع المعلومات المخزنة في وحدة المعاجة المركزية،
كما أحدث جهازا حكوميا يسهر على المصادق على المصادقة على التوقيع الإلكتروني، لضمان نزاهة وشفافية المعاملات الإلكترونية والمتمثل في السلطة المكلفة بإعتماد ومراقبة المصادقة الإلكترونية ،فمهمتها الأساسية تكمن حسب المواد من 15 إلى 19 من القانون رقم 05-53، في ضمان إحترام مقدمي الخدمان المصادقة الإلكترونية الذين يسلمون شهادات الإلكترونية مؤمنة، للإلتزامات المنصوص عليها في هذا القانون والنصوص التنظيمية له .
ويعتبر المحرر الإلكتروني دليلا كتابيا لإثبات العلاقة الكرائية في حالة لجوء أطرافها للإتخاد شكل العقد الإلكتروني، إذ في هذه الحالة تتمتع الوثيقة المحررة على دعامة
إلكترونية بنفس قوة الإثبات التي تتمتع بها الوثيقة المحررة على الورقة حسب الفصل 1-417 من ق.ل.ع.
المبحت الثاني:الشكلية لإنعقاد أم لإثباث وأثار تخلفها :
لقد كانت غاية المشرع من خلال النص على إلزامية تحرير عقد الكراء في محرر ثابت التاريخ بمو جب المادة الثالتة من أجل تفادي المشاكل التي عانت منها المحاكم لإتباث
وجود العقد، وعلى حد تعبير السيد وزير العدل بمناسبة عرضه المشروع على أنظار مجلس النواب ،أن القانون الجديد يسعى إلى حماية المحلات ،وهذه الحماية يجب أن تكون مبنية على قواعد ثبوتية قوية .
غير أن هذه المادة قذ أثارت نقاشا فقهيا كبيرا حول طبيعة هذه الشكلية هل هي للإنعقاد أم لإثبات؟،وذالك في ارتقاب أن يقول القضاء كلمته مستقبلا حول طبيعة هذه الشكلية، وعلى هذا الأساس سنحاول مناقشة الإشكال الذي طرحته هذه المادة من خلال عرض المواقف الفقهية المختلفة بخصوصها (الفقرة الأولى) ،وهذا دون أن ننسى الأثار التي يمكن أن تخلفها في حالة عدم تحرير العقد كتابة (الفقرة الثانية )
الفقرة الأولى: الكتابة في عقد الكراء، للانعقاد أم للإثبات؟
لم يكن تطور موقف المشرع المغربي وذالك بإنتقال من مبدأ الرضائية في عقد الكراء إلى تبني نظام الشكلية وليدة الصدفة، بل جاء نتيجة مجموعة من الأسباب التي دفعته إلى تكريس الكتابة في هذا النوع من العقود، وتتجلى أهم هذه الأسباب في:
محاربة التملص الضريبي : يبدو على أن الهاجس الاقتصادي الجبائي حاضر بقوة في تكريس شكلية عقد الكراء ،وهذا ما تظهره وبشكل جلي الأعمال التحضيرية لهذا القانون، حيث أكد الوزير المكلف بإعداد هذا القانون و كذلك مجلس النواب على أن توثيق عقود الأكرية المخصصة لإستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي وفق مقتضيات المادة الثالثة سيمكن من تحصيل مداخيل جبائية مهمة،بحيت أنه عند إبرام عقد الكرام وفق المادة الثالثة يجب أن يخضع لواجبات التسجيل الذي تخضع له المحررات والاتفاقات كما تنص على ذلك المادة 127 من المدونة العامة للضرائب.
التخفيف من حدة النزاعات المتعلقة بالأكرية المعروضة على القضاء للفصل فيها : وتعتبر هذه الوضعية نتيجة سلبية من نتائج العقود الشفوية والتي تؤدي في الغالب نزاعات تتمحور أساسا حول إما إثبات العلاقة الكرائية التي تتطلب جهدا قضائيا يقتضي بالضرورة الرجوع إلى القواعد العامة الخاصة بالإثبات المتميزة ببطء مساطرها وتعقدها لحل نزاع ،وإما إثبات السومة الكرائية والتي تعتبر من أكثر النزاعات شيوعا كنتيجة للعقد الشفوي الذي يتفق فيه المكري و المكتري في البداية على مبلغ السومة الكرائية ونسبة الرفع منها وطريقة استيفاءها، إلا أنه غالبا ما يتنكر أحد الطرفين من بعض هذه الالتزامات مما يعلن عن بداية نزاع يكون مآله ملف إضافي من بين آلاف الملفات المتراصة في المحاكم.
ترسيخ التوجه السائد اليوم في مجال المعاملات : والذي يتمثل في اعتماد توثيق العقود لما يوفره هذا الإجراء من وضوح وشفافية وحماية للمتعاقدين .
ومن المؤكد على أن نظام الشكلية يوفر مجموعة من الضمانات والحماية للمتعاقدين، وأن موقف المشرع المغربي بخصوصه مقبول في عقد الكراء لاقتناع الجميع بدور هذا النظام في تجاوز مجموعة من السلبيات التي خلفها ظهير1955 والتي عانت منها المحاكم وخاص فيما يتعلق بإثبات العقود التي تعتمد على الشفوية ، إلا أن ما يعاب على المشرع المغربي هو عدم وضوحه بخصوص طبيعة هذه الشكلية التي تتجلى في الكتابة الواردة في المادة الثالثة من قانون الكراء الجديد رقم49.16 التي أثارت لبسا لدى الجميع و شكلت مصدر إزعاج لدى الكثيرين بخصوص طبيعة العقد الكتابي مما يدفع بنا إلى التساؤل حول ما هي طبيعة عقد الكراء هل هي لإنعقاد أم لإثبات ؟
وبخصوص ذالك فقد برز اتجاهان فقهيان حول طبيعة الكتابة الواردة في المادة الثالثة والتي سنحاول التطرق لهما كالآتي:
أ -لاتجاه الأول: الكتابة شكلية انعقاد :إعتبر هذا الإتجاه أن أن الغاية المتوخاة من هذا القانون أن تكون العلاقة الكرائية موثقة لما توفره الكتابة من شفافية واستقرار المعاملات والتصريحات بالعقود أمام السلطات الجبائية وحل المنازعات المتعلقة بالإثبات.
وإعتبر هذا الجانب أن المشرع عندما نص على ضرورة الكتابة فإنه إرتقى بها لإعتبارها شكلية إنعقاد.
ويستند هذا الاتجاه في تدعيم رأيه على صياغة المادة الثالثة “تبرم عقود الكراء العقارات أو المحلات المخصصة للإستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي وجوبا بمحرر كتابي ثابت التاريخ…” فكلمة يبرم تدل على كتابة العقد أما عبارة وجوبا فتأمر أطراف العلاقة الكرائية بتوثيق العقد في محرر كتابي ثابت التاريخ .
وهكذا يرى أصحاب هذا الإتجاه أن شكلية المتطلبة هنا للإنعقاد وليست للإثبات فهي تقتضي لزوما وجود إلرام العقد في محرر ثابث التاريخ ،ومؤدى ذالك أن عقود الكراء التجاري الغير مكتوبة تعتبر صحيحة بدليل خضوعها للقواعد العامة المقررة في فانون الإلتزامات والعقود وهو ما نصت عليه مقتضيات المادة 37 من القانون رقم49.16،كما يتبين أن الكتابة ام تشترط ما دام أنه لا يوجد نص بذالك ،ويخضع الإثبات للقاعدة المنصوص عليها في المادة 334 من مدونة التجارة في باب العقود التجارية التي نصت على خضوع المادة التجارية لحرية ،وكذا المادة 628 من قانون الإلتزامات والعقود التي نصت على أنه يتم عقد الكراء بتراضي طرفيه على الشئ وعلى الأجرة مما عسى أن يتفقا عليه من شروط في العقد.
ب-الإتجاه التاني : الكتابة شكلية إثبات : عكس الرأي السابق، يعتبر هذا الاتجاه أن عقد الكراء لا زال عقدا رضائيا، وأن الكتابة المتطلبة بموجب المادة3 لإثبات وجود العلاقة الكرائية ليست ركنا فيها بدليل عدم ترتيب البطلان صراحة على عدم استيفاءها والتنصيص على بقاء العلاقة الكرائية سارية المفعول وخضوعها للقواعد العامة المنصوص عليها في قانون الإلتزامات والعقود وهو ما نصت عليه المادة 37، بذالك فهذه الكتابة لا تنال من مبدئية عقد الكراء وتبقى شكلية إثبات وليس شكلية إنعقاد.
وبالمقارنة بين هذين الاتجاهين، نعتقد على أن المشرع قد كان في موقف صعب ازاء الحسم في طبيعة الكتابة، ولا نقول هذا دفاعا عن موقفه المتسم بالغموض، بل نقوله هذا بالنظر إلى الواقع المعاش الذي يحمل في طياته مجموعة من التناقضات تجعل من الصعب الانتصار لموقف معين، فلو رتب المشرع جزاء البطلان عن عدم احترام مقتضيات المادة 3 كما هو الأمر في العديد من العقود لكان ذلك من العبث مقارنة مع واقع الذي يعج بالعقود الشفوية، ولا كان هذا الأمر سيؤدي إلى خلق نوع من الاضطراب في صفوف المكترين الذين قد يصبحون مهددين من طرف المكرين بالمطالبة بالإفراغ لعدم وجود عقد الكراء، كما أن المشرع سيصطدم لا محال كان قد اتخد هذا التوجه بمصير العقود الكرائية الزهيدة والتي سيكون أطرافها ملزمين بإبرام محرر كتابي ثابت التاريخ وخاضع للتسجيل لدى المصالح الجبائية.
أما إذا تبنى المشرع الموقف الذي يعتبر الكتابة شكلية واجبة للإثبات لوقع في نفس المشكل السالف الذكر حيث لا يمكن إثبات العلاقة الكرائية إلا بمحرر ثابت التاريخ مما سيطرح من جديد مصير العقود غير الموثقة من حيث إثباتها.
أما عن موقفنا فنعتقد أن شرط الكتابة في هذه الحالة شرط من شروط التطبيق وليس مجرد وسيلة لإثبات أو شكلية لإنعقاد بحيث أنه عند تصفح مقتضيات قانون الكراء الجديد يتأكد لنا أن المشرع لم يجعل الكتابة كشكلية مقرونة بالجزاء بل تبقى خاضعة للقواعد العامة المنصوص عليها في قانون الإلتزامات والعقود وهو مانصت عليه المادة37 ، كما أن المشرع أعطى لإطراف في هذه الحالة إمكانية تدارك الأمر وتحرير العقد في أي وقت يكون مطابقا لمقتضيات المادة الثالثة وهو ماأكده المشرع من خلال المقتضى الذي جاء به في الفقرة الثانية من المادة 38 .
على إعتبار أن هذا البيان يبقى حجة رسمية بين أطراف العلاقة الكرائية وإلا فيرجع إلى القواعد العامة لإثباث إذا حصل نزاع بين الطرفين .
وعلى هذا الأساس نعتقد كما قال بعض الفقه أن المشرع يمنح مجموعة من الامتيازات والضمانات للعقد الكتابي بمفهوم المادة 3 وفي نفس الوقت يحاول جعل المهمة صعبة على عقود الأكرية الشفوية كورقة ضغط على الأطراف من أجل توثيق العقود فالمشرع يطبق معادلة “هذه بتلك”.
ولا يمكن لأحد اليوم أن ينكر دور الشكلية الواردة في المادة 33 لما تحققه من نتائج ايجابية، كالتخفيف من القضايا المعروضة على المحاكم، وتجاوز البطء في المساطر ومحاربة التملص الضريبي،واستقرار المعاملات ووضوحها، مما سيؤدي الى تجديد ثقة الملاك والمستثمرين وتشجيعهم من أجل فتح العقارات المغلقة والاستثمار في مجال العقار وبالتالي إنعاش الإقتصاد .
وفي الأخير لا يبقى لنا الا القول على أنه يجب التعامل مع المادة 3 من القانون رقم 49.166 بنوع من المرونة بالنظر للضمانات التي توفرها الشكلية تجاه طرفي العلاقة التعاقدية وخاصة المكتري بإعتباره الحلقة الضعيفة هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إعتبار أن الأصل في عقد الكراء هو الرضائية يمكن إثباته بمحرر ثابث التاريخ وذالك من أجل تجنب دفع العقود الغير المطابقة للمادة الثالثة نحو البطلان .
ثانيا :أثار تخلف الكتابة :
الأصل أن الشكلية في العقود إما أن تكون شكلية لإثباث أو شكلية لإنعقاد ، فالأولى تعتبر وسيلة بين يدي أطراف العلاقة التعاقدية من أجل التشبت بوجود عقد يجمعهما ، أما الثانية فإنها تعتبر ركنا من أركان العقد .
ومن خلال إستقرائنا لمقتضيات المادة الثالثة من المادة القانون رقم 49.166 والتي نصت على وجوبية تحرير العقد في شكل محرر ثابث التاريخ ، وهو ما يدل على تطبيق القاعدة الفقهية ” لا شكلية إلى بنص “، غير أنه تخلف الكتابة المنصوص عليها في هذه المادة لا تؤدي إلى بطلان العقد لكونها لا تعبر ركنا من أركان العقد ، ولا وسيلة لإثباته وإنما شرطا من شروط تطبيق القانون رقم 49.16
وعليه ، فإن تخلف شرط الكتابة لا يؤدي بصفة مطلقة إلى بطلانه ،وإنما يجعل العقد خاضعا لمقتضيات قانون الإلتزامات والعقود وهو ما أكدته المادة 37 (25)، غير الصيغة التي جاءءبها المشرع من خلال الفقرة الثانية من خلال المادة 38 من نفس القانون نصت على مقتضى مخالف تماما لما تضمنته المادة 3 و37 حينما ذهبت لإعتبار أن ذهبت إلى أن الأكرية المبرمة خلافا لمقتضيات الواردة في المادة الثالثة تخضع لهذا القانون ، يمكن للأطراف الإتفاق في أي وقت على إبرام عقد مطابق لمقتضياته ، مما يدفعنا للتشكيك في موقف المشرع المغربي المتسم بالغموض ، لكن السؤال الذي يمكن طرحه في هذا الصدد هو هل ستخضع هذه العقود -الغير الموثقة- وتستفيد من مقتضيات القانون رقم 49.16 أم أنها ستبقى للمقتضيات العامة المنصوص عليها في ق.ل.ع التي تتسم بنوع من البطء والتعقيد ؟
وعموما، فإن الكتابة رغم ما سبق ، تبقى لها مكانة مهمة في كونها وسيلة إثباث في يد المكتري خصوصا فيما يتعلق بتجديد عقد الكراء بإعتبارهذا الأخير ، كحق منحه المشرع له بشرط أن يثيبث إنتفاعه بالمحل لمدة سنتين وهو ما لا يمكن أن يتم إلى بمقتضى عقد كتابي ، يتضمن تاريخ إبرامه ، ضف إلى ذالك أن شرط الكتابة سيغلق الباب في وجه المكري فيما يخص التلاعب ببنود العقد وتمييعها لمصلحته .