الأحد، 9 أغسطس 2015

صعوبات المقاولة

مقدمة
تشكل المقاولة أداة للتنمية والإقلاع الاقتصادي، وآلية أساسية للتقدم العـلمي والتكــنولوجي وإنـــماء المجال الاجتماعي. إذا كان المبدأ أن المقاولات التجارية و غيرها تستمر في مزاولة نشاطها بشكل عادي، و بشكل يوفر للفاعلين الاقتصاديين الأهداف المنشودة من وراء إنشائها، فإن هذه المقاولات لا تلبث أن تعرف – بحكم طبيعة الحياة التجارية التي تتأثر بكثير من العوامل – مشاكل متنوعة تضرب في الصميم الأهداف المرجوة، مشاكل قانونية و اقتصادية و مالية و اجتماعية تعصف في بعض الأحيان بمستقبل المقاولة و تفضي بها إلى الموت، الأمر الذي ينعكس سلبا على جميع المتعاملين معهـا و على الاقتصاد الوطني برمته، على اعتبار أن هذه المقاولة من قواعد هذا الاقتصاد .
ولم يكن المشرع المغربي في القانون التجاري لسنة 1913 يهتم بوضعية المقاولة كشخص معنوي قائم بذاته سواء قبل توقفها عن دفع ديوانها الحالة أو بعد ذلك حتى لو كانت هذه الوضعية خطيرة بسبب الصعوبات التي تهمها، والتي من شأنها وضع حد لها من سجل الحياة التجارية، فالمشرع المغربي ظل في القانون المذكور يعتبر كل تاجر توقف عن أداء ديونه التجارية في حالة إفلاس، إلا أنه أمام هذا الوضع، الذي لا يبعث على الاستقرار إن على المستوى التجاري الاقتصادي أو الاجتماعي، وفي ظل إيجاد توازن بين رعاية حقوق الدائنين ومحاولة مساعدة التاجر على تجاوز الصعوبات المالية، والاقتصادية التي تهدده، وبالتالي إنقاذ النشاط التجاري للبلاد ما أمكن، وحتى لا يتزعزع الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، ، عمد المشرع المغربي على إحداث نظام صعوبات المقاولة بمقتضى القانون رقم 95-15، واستعاض به عن نظام الإفلاس لأسباب تمثلت في حركة التغيير التي عرفها المغرب على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ،و محاولة تدارك التأخر الذي لازم المقاولات المغربية رغم أهميتها في النظام الاقتصادي الذي تبناه المغرب و سياسة الانفتاح التي ينهجها ، وأخرى خارجية تجلت في التحولات الاقتصادية والسياسية الدولية و ما أفرزته من تحرير الاقتصاد و عولمته .
وتكمن الغاية من وضع مساطر الوقاية في حماية المقاولة التي تظهر بها بوادر وإرهاصات تنبأ بتعرضها لصعوبات من شأن استفحالها أن يهدد سيرها العادي و يؤدي إلى اختلال وضعيتها الاقتصادية،وهو ما يتعارض مع ما للمقاولة من أهمية بالنسبة للاقتصاد الوطني ولمالية الدولة والأشخاص.لذلك كان لابد من وضع ضوابط و شروط لتطبيق هذه المساطر بشكل يوجهها لخدمة هاجس الحفاظ على المقاولة و ضمان استمرارية نشاطها.
كما يهدف نظام صعوبات المقاولة إلى تمكين المحكمة التجارية من التدخل في أقرب الآجال حتى تعالج الصعوبات التي تواجهها المقاولة، حيث يميز المشرع بين مساطر الوقاية من الصعوبات أي المساطر التي يمكن إتباعها قبل التوقف عن الأداء. وبين مساطر معالجة صعوبات المقاولة التي يعمد إليها بعد التوقف عن الدفع، هذه المساطر التي حدد المشرع مجموعة من الشروط والإجراءات من أجل طلب فتحها أمام المحكمة المختصة كما عين الجهات التي لها الحق في طلب فتح المساطر، من هذا المنطلق سنحاول التطرق إلى الشروط والإجراءات الواجبة لفتح مساطر معالجة صعوبات المقاولة وذلك وفق التصميم التالي:
المطلب الأول: شروط فتح مساطر معالجة صعوبات المقاولة.
المطلب الثاني: إجراءات فتح مساطر معالجة صعوبات المقاولة.
المطلب الأول: شروط فتح مساطر معالجة صعوبات المقاولة
تكمن الغاية من وضع مساطر الوقاية، في حماية المقاولة التي تظهر بها بوادر وإرهاصات تنبأ بتعرضها لصعوبات من شأنها أن تهدد السير العادي و يؤدي إلى اختلال وضعيتها الاقتصادية و هو ما يتعارض مع ما للمقاولة من أهمية بالنسبة للاقتصاد الوطني و لمالية الدولة و الأشخاص. لذالك كان لابد من توافر شروط و ضوابط لتطبيق هذه المساطر بشكل يحافظ على المقاولة ويضمن استمراريتها.وطبقا لمقتضيات المواد 546و548و550 من مدونة التجارة تتجلى هذه الشروط أساسا في ضرورة توفر المدين على الصفة التجارية(الفقرة الأولى)،وضرورة التعرض للصعوبات (الفقرة الثانية)،و أخيرا التوقف عن الدفع (الفقرة الثالثة)
الفقرة الأولى: الصفة التجارية:
إذا كان المشرع الفرنسي جعل مساطر صعوبات المقاولة قابلة التطبيق على تاجر وكل حرفي وكل مزارع وكل شخص معنوي من أشخاص القانون الخاص ، فإن المشرع المغربي قد جعل هذا التطبيق محصورا في كل تاجر وكل حرفي وكل شركة تجارية (المادة 560 م ت)
1 الشخص الطبيعي المدين الذي له صفة تاجر:
مما ينبغي تسجيله في البداية أن التمتع بصفة تاجر يشكل مناط تطبيق نظام معالجة صعوبات المقاولة على الشخص الطبيعي المدين في ظل القانون المغربي الأمر الذي يقضي البحث في الأساس القانوني الذي بناءا عليه يكون هذا الشخص متوفرا على صفة تاجر المبررة لافتتاح مساطر معالجة صعوبات المقاولة في مواجهته، وقد حدد المشرع المغربي الشروط التي يجب توافرها في الشخص لكي يتمتع بصفة تاجر في الكتاب الأول من مدونة التجارة وهذه الشروط هي:
الممارسة الاعتيادية أو لاحترافية لأحد الأنشطة التجارية
اشترط المشرع المغربي لاكتشاف صفة تاجر ان يمارس الشخص احد الأنشطة التجارية على الاعتياد والاحتراف المنصوص عليها في المواد 6 - 7 - 8 - 9 من مدونة التجارة.
النظر إلى صفة تاجر من زاوية الأهلية.
الأصل أن صفة تاجر. المعتبرة شرط من شروط افتتاح مساطر معالجة صعوبات المقاولة في مواجهة المدين لا يكتسب إلا إذا كان الشخص الطبيعي المعني بالأمر متمتعا بالأهلية التجارية حسب الشروط المنصوص عليها في المواد من 12 إلى 17 من مدونة التجارة حيث يختلف الوضع حسب ما كان الشخص راشدا أم قاصرا.
ومن تم فمن بلغ18 سنة شمسية من عمره يعتبر كامل الأهلية في القانون المغربي و يكون أهلا لممارسة التجارة ، هذا مالم يلحقه عارض من عوارض الأهلية. هذا مع الإشارة إلى أن سن الرشد كان في القانون القديم للأحوال الشخصية كان محددا في 20 سنة شمسية وفيما يخص الأجنبي الذي يريد مزاولة التجارة بالمغرب فهو يعتبر كامل الأهلية ببلوغه 18 سنة كاملة و لو كانت جنسيته تفرض سنا أعلى مما هو عليه في القانون المغربي،بالرغم من أن نص المادة 15 من مدونة التجارة تنص على 18 سنة .ذلك أن نص المادة 12 من مدونة التجارة تنص على أنه تخضع الأهلية في ممارسة التجارة لقواعد الأحوال الشخصية مع مراعاة الأحكام العامة.
النظر إلى صفة التاجر من زاوية التسجيل في السجل التجاري:
يلزم المشرع المغربي، بمقتضى المادة 37 من مدونة التجارة، جميع الأشخاص الطبيعيين والمعنويين الذين يزاولون نشاطا تجاريا على تراب المملكة المغربية بالتسجيل في السجل التجاري، بصرف النظر عما إذا كان الشخص المعني بالأمر مغربيا أم أجنبيا كما يلزم بالتسجيل كذلك كل فرع أو وكالة لكل مقاولة مغربية أو أجنبية وكل ممثلية تجارية أو وكالة تجارية لدول أو لجماعات أو مؤسسات عامة أجنبية وكل مؤسسة عامة مغربية ذات طابع تجاري أو صناعي تكون خاضعة بموجب قانونها الأساسي إلى التسجيل.
فمن أهم آثار التسجيل في السجل التجاري على اكتساب صفة تاجر أن كل شخص طبيعي أو معنوي ملزم بهذا التسجيل لا يمكنه قبل قيامه بذلك الاحتجاج تجاه الغير بصفته التجارية و لو كان يمارس بالفعل الأنشطة التجارية على سبيا الاحتراف و الاعتياد على أن ذلك لا يعفي الشخص المعني بالأمر من الخضوع لجميع الالتزامات المترتبة على اكتساب صفة تاجر،مما يعني أن الغير يمكنه أن يتمسك كلما كانت له مصلحة في ذلك بكون هذا الشخص تاجر.
2- الشركات التجارية والأشخاص المعنويون الآخرون الملزمون بالتسجيل في السجل التجاري.
كما سبق أن أشرنا إلى ذلك فيما تقدم، فعلى خلاف المشروع الفرنسي الذي يجعل مساطر صعوبات المقاولة قابلة للتطبيق على جميع الأشخاص المعنويين الخاضعين للقانون الخاص، فإن نظيره المغربي يحصر ذلك في الشركات التجارية وحدها طبقا لمقتضيات المادة 560من مدونة التجارة.
الوضع بالنسبة للشركات التجارية:
على غرار التاجر الشخصي الطبيعي، يمكن ان تخضع الشركات التجارية لمساطر معالجة صعوبات المقاولة لاسيما وان هذه الشركات بمختلف أنواعها، ماعدا شركة المحاصة تكتسب الصحة التجارية حسب الشكل مهما كان عرضها وذلك تطبيقا لأحكام كل من المادة الثانية من القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة والمادة الثانية من القانون رقم 5.96 المتعلق بشركة التضامن والتوصية البسيطة والأسهم والمحاصة والشركة ذات المسؤولية المحدودة.
الوضع بالنسبة للأشخاص المعنويين الآخرين الملزمين بالتسجيل في السجل التجاري:
مما ورد في الفقرة 2 من المادة 37 من مدونة التجارة انه يلتزم بالتسجيل (السجل التجاري) علاوة على ذلك:
كل فرع أو وكالة لكل مقاولة مغربية أو أجنبية.
كل ممثلية تجارية أو وكالة لدولة أو لجماعات أو لمؤسسات عامة أجنبية.
المؤسسات العامة المغربية ذات الطابع الصناعي أو التجاري.
كل مجموعة ذات نفع اقتصادي.
لكن رغم التسجيل في السجل التجاري فإن المشرع المغربي لم يؤكد سوى على الشركات التجارية كالأشخاص معنويين التي لها الحق في الخضوع لمسطرة المعالجة (المادة 560).
الفقرة الثانية: صعوبات من شأنها الأخلال باستمرارية الاستغلال داخل المقاولة
فبالإضافة إلى توفر المقاولة على الصفة التجارية ،يتطلب تطبيق مساطر الوقاية من الصعوبات عليها،أن تتعرض المقاولة إلى صعوبات من شأنها أن تخل باستمرارية استغلالها، وان كان المشرع قد نص على دالك صراحة، فانه لم يحدد المقصود بالصعوبات ،كما لم يميز الصعوبات التي تستدعي فتح المسطرة من غيرها ولا الدرجة التي يتعين أن تكون عليها هذه الصعوبات .
و في هذا الإطار ذهب الأستاذ أحمد شكري السباعي على أن المادة 546 من مدونة التجارة و التي تنص على أن:"...الوقائع التي من شأنها أن تخل باستمرارية استغلال المقاولة..." تطرح إشكالا يتمثل في أن استعمالها عبارة "الوقائع" بالجمع قد يحمل البعض على الاعتقاد بأن واقعة واحدة لا تكفي لتحريك المسطرة. و يبدو أن هذا الإشكال سرعان ما ينجلي بعبارة "...ما من شأنه أن يخل..." والمستعملة في المادة 55 قبلها، والتي تحمل على معنى مهما كبرت هذه الصعوبات أو صغرت و مهما كثرت أو قلت. فإذا كانت المادة 546 من مدونة التجارة استعملت تعبيرا واسعا للدلالة على الصعوبات التي قد تأثر عل ى السير العادي للمقاولة، وتستدعي فتح مسطرة من مساطر الوقاية، فان المادة 550 وضعت لها إطارا عاما لما نصت عليه أنه:" بكون إجراء التسوية الودية مفتوحا أمام كل مقاولة تجارية أو حرفية، من دون أن تكون في وضعية التوقف عن الدفع،تعاني من صعوبات قانونية أو اقتصادية أو مالية أو لها حاجات لا يمكن تغطيتها بواسطة تمويل يناسب إمكانات المقاولة..."
هكذا يمكن أن تكون الصعوبات التي من شأنها الإخلال باستمرارية الاستغلال،مالية كنقص السيولة و يمكن أن تكون اقتصادية كالمنافسة و انخفاض الطب و قلة المواد الأولية ،كما بمن أن تكون اجتماعية كالإضراب و تسريح العمال أو قانونية كالزيادة في الضريبة وفقدان الشخصية المعنوية،و يمكن أن تكون إدارية كغياب المراقبة الداخلية وعدم انعقاد الجمعية العامة.
فيتضح إذن أن الصعوبات التي قد تقتضي فتح مسطرة من مساطر الوقاية من صعوبات المقاولة غير محدودة و متنوعة ، ,إن إعطاء تعريف مجرد لصعوبات التي من شأنها الإخلال باستمرارية استغلال المقاولة يغني عن التعداد الذي قد يكون غير مجد و يسمح باستيعاب الصعوبات المستجدة.فالمقاولة تعيش في محيط اقتصادي مركب يخضع لقواعد تجارية دقيقة لذلك فالتعامل مع وضعيتها يتعين أن يكون بنفس الدقة ،لا ينبغي إثارة تأثر على سمعتها التجارية و تضعف الثقة فيها،مما قد يدفع المتعاملين معها إلى اتخاذ تدابير احترازية تعجل باختلال وضعيتها الاقتصادي كما أن الإمساك عن إثارتها أو التأخر في ذلك رغم الحاجة إليها، سيحرمها من فرصة الوقاية ،مما يستدعي معه فتح مساطر المعالجة.
و يكمن القول إذن على أن تحريك مسطرة معالجة صعوبات المقاولة ،يتعين أن ينبني على صعوبات جدية و حقيقية ،يكون لها تأثير سلبي على الوضعية المالية للمقاولة، ومن شأنها أن تقودها إن لم يتم استئصالها إلى حالة التوقف عن الدفع وأن يتم في الوقت المناسب لا قبل الأوان ولا بع فواته..
الفقرة الثالثة: التوقف عن الدفع:
يعتبر التوقف عن دفع الديون شرطا أساسيا لافتتاح مساطر معالجة صعوبات المقاولة في مواجهة مختلف الأشخاص الطبيعيين والمعنويين المخاطبين بأحكام المادة 560 من مدونة التجارة، وبعبارة أخرى فلا يمكن لكي يتم افتتاح هذه المساطر أن يكون الشخص المعنوي المدين في شكل شركة تجارية أو مجموعة ذات نفع اقتصادي لها غرض تجاري ، أو أن يكون الشخص الطبيعي المدين مكتسبا لصفة تاجر، إما بفعل الممارسة الاعتيادية أو الاحترافية لأحد الأنشطة التجارية المنصوص عليها في المادتين 6 و7 من مدونة التجارة، أو بفعل اكترائه أصلا تجاريا في إطار عقد التسيير الحر، وإنما يجب أيضا أن تثبت توقف المقاولة المعنية بالأمر عن دفع ديونها، وأن يكون التوقف معبرا عن مرحلة معينة من مراحل تدهور هذه المقاولة .
فالمشرع المغربي سكت عن تعريف التوقف عن الدفع، إلا أن الاجتهاد القضائي ذهب إلى أن التوقف عن الدفع هو الذي ينبئ عن مركز مضطرب وضائقة مستحكمة يتزعزع معها ائتمان التاجر وتتعرض بها حقوق دائنيه إلى خطر محدق أو كثير الاحتمال ، من جهة أخرى حصر الفقه مفهوم التوقف عن الدفع استنادا إلى معيارين:
الأول: قانوني ومعناه ان التوقف عن الدفع يتحدد في مجرد عدم أداء المقاولة لديونها في تواريخ الاستحقاق المتفق عليها والمقاولة بين دائنيها. وبعبارة أخرى فالمقاولة تعتبر حسب هذا المعيار في حالة توقف عن الدفع عندما لا تبادر إلى إبراء ذمتها من الديون المستحقة عليها في المواعيد المحددة لذلك، إذ يكفي أخذا بهذه المعيار ثبوت عدم أداء الديون لاعتبار المقاولة متعرضة لصعوبات تعكس توقفها عن الدفع .
الثاني: اقتصادي حيث يقتضي الأمر لاعتبار المقاولة في حالة توقف عن الدفع أن يتم تجاوز مجر الوقوف عند المظهر الخارجي لواقعة عدم أداء الديون الحالة في وقتها. وإنما يتعين خلافا لذلك تقصي أسباب ودوافع الامتناع عن الوفاء والبحث في المركز المالي الحقيقي للمقاولة المتوقفة عن أداء ديونها فإذا اثبت أنها عاجزة بالفعل عن الأداء نتيجة الخصاص العميق والعجز البين الذي تعرفه أوضاعها المالية فلا مناص والحالة هذه من افتتاح المسطرة الجماعية ضدها، أما إذا ثبت على العكس من ذلك ان المقاولة المعنية بالأمر موسرة وقادرة على الأداء بعد زوال الصعوبات المؤقتة أو العابرة التي اعترضتها وحالت دونها والأداء فلا تعتبر في حالة توقف عن الدفع، وبالتالي لا تفتح بشأنها أية مسطرة جماعية (على انه يمكن ان تخضع المقاولة في مثل هذه الحالة لمسطرة التسوية الودية إذا توفرت شروطها). في هذا الاتجاه ذهبت محكمة النقض الفرنسية إلى ان مجرد الامتناع عن دفع واحد أو عدة ديون تجارية لا يكفي وحده لاعتبار التاجر متوقفا عن الدفع بل يجب أيضا أن يكون هذا التاجر في مركز مالي ميؤس منه وبدون مخرج .
إضافة إلى الشرطين المذكورين أعلاه هناك من الفقه من يقول بضرورة التلازم بين الشرطين السالفي الذكر في آن واحد .
ولمعرفة ما إذا كانت المقاولة فعلا في حالة توقف عن الدفع أم لا، فإن ذلك يقتضي دراسة مدى تحقق الشروط الواجب توافرها للقول بالتوقف عن الدفع .
وفي هذا الإطار يجب أن يثبت هذا التوقف بحكم قضائي ، فالمشرع المغربي أفرد ضمن مدونــة التجـارة لسنـة 1996 مجموعـة من النصوص التي تفيد بشكل صريح أن التوقف عن الدفع لا يكفي وحده لتطبيق مساطر معالجة صعوبات المقاولة ، بل يلزم صدور حكم يقضي بفتح مساطر معالجة صعوبات المقاولة . ويعين حكم فتح المسطرة تاريخ التوقف عن الدفع الذي لا يجب أن يتجاوز في جميع الأحوال ثمانية عشر شهرا قبل فتح المسطرة . وإذا لم يعين الحكم هذا التاريخ تعتبر بداية التوقف عن الدفع من تاريخ الحكم . ذلك أن الفترة الممتدة من تاريخ صدور الحكم القاضي بفتح المسطرة ضد المعني بالأمر تعتبر فترة ريبة مما يجعل التصرفات التي يجريها المدين خلال هذه الفترة خاضعة للبطلان الوجوبي أو الجوازي
كما يجب أن يكون الدين غير المؤدى ثابتا وغير منازع فيه، و من تم يجب أن يكون هذا الدين محددا بقيمة معينة من النقود، سواء بالعملة الوطنية أو بإحدى العملات الأجنبية الممكن تحديد سعرها بالعملة الوطنية. كما يجب أن يكون الدين ثابتا في سعر أو سند يتضمن كافة العناصر التي تسمح بتحديد قيمته الواجبة الأداء. ويجب أن يكون الدين مستحق الأداء، أي غير معلق على شرط واقف أو على أجل. فلا يمكن إجبار المدين بدين مؤجل على الوفاء قبل حلول أجله وتدخل في طائفة الديون غير المستحقة أيضا الديون الطبيعية.
وأخيرا يجب أن يكون هناك تلازم بين التوقف عن الدفع والصفة التجارية ، فالصفة التجارية هي مناط افتتاح مساطر صعوبات المقاولة بالإضافة إلى تلازم التوقف عن الدفع. فهذا الشرط لم ينص عليه المشرع المغربي بصفة صريحة، لكنه يستنتج ضمنا من المادة 560 بالإضافة إلى وجود مقتضيات أخرى في مدونة التجارة تؤكد هذا الطرح خاصة المادة 564 من مدونة التجارة حيث نصت على أنه :"يمكن فتح المسطرة ضــد تاجـر أو حرفي وضع حد لنشاطه أو توفي داخل سنة من اعتزاله أو من وفاته إذا كان التوقف سابقا بهذه الوقائع" . ونفس الاتجاه أكدته 565 من مدونة التجارة حيث نصت على أنه :" يمكن فتح المسطرة ضد شريك متضامن داخل سنة من اعتزاله عندما يكون توقف الشركة عن الدفع سابقا لهذا الاعتزال" . لذلك فعنصر التلازم أمر ضروري لقبول الدعوى .
المطلب الثاني : إجراءات فتح مساطر معالجة صعوبات المقاولة
يعتبر الحكم القاضي بفتح المسطرة القضائية لمعالجة صعوبات المقاولة بالغ الأهمية لأنه يمثل ضمانة أساسية للمدين نظرا للآثار التي يخلقها هذا الحكم والتي تمس سلطات وصلاحيات المدين كما أن هذا الحكم يعتبر ضامنا لمبدأ المساواة بين الدائنين لكل هذا جعل المشرع مجموعة من الإجراءات الشكلية التي لا بد من احترامها ، لكن قبل ذلك لا بد من الإشارة
إلى أن الحكم القاضي بفتح المسطرة القضائية للمعالجة، يعتبر منشئا لهذه الوضعية وليس مجرد كاشف لها عكس ما كان عليه الأمر في عهد الإفلاس حيث كان الحكم به مجرد كاشف له وليس منشأ له .
وهكذا سنتناول إجراءات فتح مسطرة المعالجة من خلال الحديث عن الاختصاص القضائي لمسطرة المعالجة القضائية لصعوبات المقاولة في(الفقرة الأولى) ثم الجهات التي تملك حق تحريك فتح المسطرة في (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الاختصاص القضائي لمسطرة المعالجة القضائية
يقصد بالاختصاص حسب أغلب الفقه هو صلاحية المحكمة للفصل في الدعوى المعروضة عليها، فهو إذن المجال الذي تمارس المحكمة في إطاره سلطتها القضائية أما عدم الاختصاص هو انتفاء هذه الصلاحية .
إن أهم ما يمكن ملاحظته على مستوى الاختصاص القضائي أن المشرع المغربي قد حدد بدقة هذا الاختصاص ن وذلك بإحداثه لمحاكم تجارية متخصصة في القضايا ذات الطابع التجاري، ومن بين هذه القضايا نظام صعوبات المقاولة بما جعل أمر اختصاص المحاكم التجارية في هذا النوع من القضايا لا يثير إشكال، عكس المشرع الفرنسي الذي جعل مساطر صعوبات المقاولة تتراوح بين المحاكم المدنية والتجارية حيث تختص المحاكم التجارية إذا كان المدين تاجر أو حرفيا وتختص المحاكم المدنية في قضايا المزارعين والحالات الأخرى كما أن المشرع الفرنسي ذهب إلى أبعد من ذلك إذا وضع محاكم ومساطر للمقاولات الصغرى ، إذن فماذا ن الاختصاص القضائي المغربي النوعي (أولا) والمحلي (ثانيا) في مساطر المعالجة .
أولا: الاختصاص القضائي النوعي في مساطر المعالجة
يمكن تعريف الاختصاص القضائي النوعي هو توزيع العمل بين المحاكم المختلفة داخل الجهة القضائية الواحدة فحسب نوع القضية أي بالنظر إلى طبيعة الرابطة القانونية محل الحماية .
ويتضح من خلال استقراء مدونة التجارة وقانون إحداث المحاكم التجارية رقم 95.53 أن اختصاص المحاكم التجارية للنظر في دعاوى صعوبات المقاولة تبدو مسألة بديهية ومنطقية، وهذا ما تؤكده المادة 11 من قانون إحداث المحاكم التجارية التي نصت على أنه استثناء من أحكام الفصل 28 من قانون المسطرة المدنية ، ترفع الدعاوى .. فيما يتعلق بصعوبات المقاولة على المحكمة التجارية التابعة لها مؤسسة التاجر الرئيسية أو المقر الاجتماعي لشركة"
لكن ما يلاحظ على الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية للنظر في مساطر معالجة صعوبات المقاولة أن المشرع المغربي لم يفرد لهذا الاختصاص نصوصا خاصة كما فعل بالنسبة للاختصاص المحلي كما سيأتي ، بل جعل الاختصاص النوعي يتحدد من خلال الاختصاص المحلي وهي طريقة معينة في التقنية والصناعية حسب الأستاذ أحمد شكري السباعي . بل كان عليه أن ينص على هذا الاختصاص المتعلق بصعوبات المقاولة ضمن المادة 5 من قانون 53.95 القاضي بإحداث المحاكم التجارية التي تشكل مكانه الطبيعي حسب نفس الرأي.
ورغم ذلك فيعتبر الاختصاص القضائي النوعي للنظر في دعاوى صعوبات المقاولة من النظام العام إذ لا يجوز الاتفاق على مخالفته، كما أن المحكمة المختصة نوعيا والمفتوحة أمامها مسطرة المعالجة القضائية ، مختصة في جميع الدعاوى الأخرى المتصلة بها حسب المادة 566 من مدونة التجارة، ولا يخرج من إطار اختصاصها إلا الدعاوى المتعلقة بجريمة التفالس او الجرائم الأخرى الواردة بالمادة 724 من المدونة التجارية لأنها من قبيل الدعاوى العمومية التي تختص المحكمة الابتدائية للبث فيها.
ثانيا: الاختصاص القضائي المحلي في مساطر المعالجة
الاختصاص القضائي المحلي هو سلطة المحكمة وصلاحيتها للنظر في نزاعات معينة تدخل ضمن دائرتها الترابية ولقد نظم المشرع المغربي الاختصاص المحلي في مساطر المعالجة بمقتضى كل من المادة 11 من قانون إحداث المحاكم التجارية والمادة 566 من مدونة التجارة . إذ نصت الأولى على أن المحكمة التجارية الناتجة لها مؤسسة التاجر الرئيسية أو المقر الاجتماعي للشركة أما الثانية فقد أكدت على نفس المقتضى من خلال نصها على أن الاختصاص لكون المحكمة الموجودة في مكان مؤسسة التاجر الرئيسية أو المقر الاجتماعي للشركة.
وإذا كانت كل من المادة 11 و566 قد حددت الاختصاص المحلي في المحكمة التجارية الموجودة في مكان مؤسسة التاجر الرئيسية أو المقر الاجتماعي للشركة، فإن هذا الأمر يشير ملاحظتين أساسيتين.
المشرع المغربي يستعمل مفهوم المؤسسة وليس المقاولة رغم أن الأمر يتعلق بمعالجة صعوبات المقاولة، لذلك كان من الأجدر أن يستعمل مفهوم المقاولة وذلك بإيراد عبارة مقاولة التاجر الرئيسية بدل مؤسسة التاجر الرئيسية"
كما أنه اقتصر على ذكر المقر الاجتماعي للشركة سواء في المادة 566 او المادة 11 ولم يشر إلى فروع هذه الشركات إذا غالبا ما يكون لهذه الشركات فروع ووكالات كشركات التأمين والبنوك غذ يبدو أنه لم يستفيد من الاجتهاد القضائي الذي يوسع من مفهوم مقر الشركة لتشمل الفروع والوكالات .
وبالرجوع إلى الفقرة الثانية من المادة 11 نجدها " تنص على أنه" فيما يتعلق بالشركات إلى المحكمة التجارية التابع لها مقر الشركة او رفعها.." وبالنظر إلى أن دعاوى مساطر المعالجة من ضمن هذه الدعاوى، نعتقد بأن المحكمة التجارية التابع لها فرع الشركة أو وكالتها لها أحقية البث في دعاوى مساطر المعالجة لهذا الفرع أو الوكالة، خصوصا إذا لم تفتح بعد المسطرة بالمحكمة التجارية التي يوجد بدائرتها المقر الاجتماعي للشركة .
ومن المشاكل التي قد تفرض نفسها في لإطار دعاوى مساطر المعالجة ، تلك التي تتعلق بتغير المقاولة لموطنها ومقرها الاجتماعي حيث يختلف هنا حل هذه الإشكالية باختلاف ما إذا كانت المحكمة قد وضعت يدها على المسطرة قبل التغيير أو بعده ففي الحالة الأولى تبقى المحكمة مختصة بالنظر والبث في فتح المسطرة أما في الحالة الثانية فيثور التساؤل آنذاك هل تختص محكمة الموطن او المقر القديم أم الموطن او المقر الجديد؟
المشرع المغربي لم يوحد الحل لهذا الإشكال ن لكن بالرجوع إلى القانون الفرنسي نجد انه يعتبر أنه إذا كان التغيير رأي تغيير مقر موطن المقاولة أو مقر الشركة) سابقا بستة أشهر عن وضع المحكمة يدها على النازلة تكون المحكمة التي كان يوجد بها هذا المقر هي المختصة ، وتحتسب مدة ستة أشهر ابتداء من تاريخ قيد التغيير او التعديل بالسجل التجاري .
الفقرة الثانية : الأطراف التي لها الحق في طلب فتح مساطر معالجة صعوبات المقاولة.
نظرا للأهمية التي يحظى بها فتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة، فقد عمد المشرع المغربي على تحديد الأشخاص الذين لهم الحق في تقديم طلب فتح مسطرة المعالجة وجعلها قاصرة حسب المواد 561- 562 -563- على رئيس المقاولة (اولا) وكذا الدائنين( ثانيا) الذين يعتبرون من ذوي المصالح المرتبطة بالمقاولة المتوقفة عن الدفع هذا من جهة، ومن جهة أخرى ومن أهم ما يسترعي الانتباه في القانون الجديد هو التغيير الحاصل في الوظيفة القضائية إذ لم يعد دور القضاء قائما على الحياد وحل النزاعات بين الأطراف، بل أصبح دور اقتصادي واجتماعي يتجلى في حماية المقاولة باعتبارها نواة الاقتصاد الوطني وذلك من خلال التدخل التلقائي للمحكمة التجارية(ثالثا) وكذا النيابة العامة (رابعا).
أولا : فتح مسطرة المعالجة بناء على طلب رئيس المقاولة.
لقد حدد المشرع المغربي في الفقرة الأخيرة من المادة 545 من مدونة التجارة المقصود برئيس المقاولة والذي يكون إما الشخص الطبيعي المدين أو الممثل القانوني للشخص المعنوي المدين، لذا وما دام رئيس المقاولة يوجد أكثر من أي شخص في موقع يسمح له بمعرفة الوضعية المالية والاقتصادية للمقاولة التي يستغلها أو يسيرها، فقد أورده المشرع على رأس قائمة الأشخاص الذين يمكنهم طلب فتح مساطر المعالجة، بل ألزمه بتقديم طلب إلى المحكمة التجارية التابع لها مقر المؤسسة الرئيسية أو المقر الاجتماعي وذلك تحت طائلة العقوبات ، سواء كانت المقاولة فردية أو اجتماعية على الشياع أو اتخذت شكل شركة، وسواء تعلق الأمر بعدم القدرة على سداد الديون المستحقة عند الحلول (التوقف على الدفع) أو الديون الناشئة عن الالتزامات المبرمة في إطار التسوية الودية . وان يشير في تصريحه أو طلبه إلى أسباب التوقف عن الدفع لتتأكد المحكمة من جدية الطلب أي ما إذا كانت الوضعية المالية ليست مختلفة بشكل لا رجعة فيه أو مختلفة بشكل لا رجعة فيه، وان رئيس المقاولة يستعمل المسطرة لتحقيق مآرب أخرى كتأخير سداد الديون وغيرها من المآرب غير المشروعة ، ويجب إرفاق الطلب أو التصريح بالوثائق التالية :
1- القوائم التركيبية لأخر سنة مالية.
2- جرد وقيمة كل أموال المقاولة المنقولة وغير المنقولة.
3- لائحة بالدائنين والمدنيين مع إشارة على مكان إقامتهم ومبلغ حقوقهم وديونهم وضماناتهم عند تاريخ التوقف عن الدفع.
4- جدول التحملات.
ويجب ان تكون الوثائق المقدمة مؤرخة ومصادقا عليها من طرف رئيس المقاولة، وفي حالة تعذر تقديم إحدى هذه الوثائق أو أدلى بها بشكل غير كامل، وجب ان يشمل التصريح بيان الأسباب التي تمنع تقديمها، كما يشهد كاتب، الضبط على استلام هذه الوثائق. ولا يترتب عن تخلف أي وثيقة من الوثائق المذكورة أو ذكرها مغلوطة بطلان المسطرة ما دام من حق المحكمة التي تضع يدها على مسطرة المعالجة تلقائيا . إلا أن غياب واحدة أو أكثر من الوثائق أو ذكرها مغلوطة قد يضر بمصالح رئيس المقاولة الشيء الذي قد يدفع المحكمة إلى تطبيق مسطرة التصفية بدلا من مسطرة التسوية القضائية، فضلا على إمكانية تعرضه لعقوبات.
ثانيا: فتح مسطرة المعالجة بناء على طلب أحد الدائنين:
حسب المادة 563 من مدونة التجارة، فإنه يمكن فتح المسطرة بمقال افتتاحي للدعوى لأحد الدائنين كيفما كانت طبيعة دينه، ويكون بذلك المشرع المغربي قد قطع دابر المشاكل التي كانت تطرح في السابق حول طبيعة الدين المبرر لفتح المساطر الجماعية في مواجهة المدين.
أما من حيث الأجل الذي يتعين على الدائن احترامه عند طلب فتح مسطرة المعالجة فالمبدأ انه لا يخضع لأي أجل معين ما عدا القواعد العامة التي تحكم تقادم الالتزامات بوجه عام.
لكنه واستثناءا هناك بعض الحالات التي يكون فيها الدائن ملزما بتقديم طلب فتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة ضد مدينه داخل مدة معينة، فهناك حالة التاجر المتوفي بعد توقفه عن الدفع حيث يجب طبقا للمادة 564 من مدونة التجارة أن يتم تقديم طلب فتح المسطرة في مواجهة هذا التاجر داخل أجل سنة من تاريخ الوفاة وإلا تم عدم قبول الطلب. وكذلك تحت طائلة عدم قبول الطلب أن يتم رفع الدعوى الرامية إلى فتح المسطرة ضد هذا التاجر داخل أجل سنة ابتداء من واقعه الاعتزال أو من تاريخ التشطيب على التسجيل في السجل التجاري إذا كان التاجر المعني بالأمر مسجلا في هذا السجل. تنضاف إلى ذلك أيضا حالة الشريك المتضامن الذي ينسحب من الشركة بعد أن تكون قد توقفت عن دفع ديونها حيث ألزم المشروع أن ترتفع الدعوى ضد هذا الشريك داخل أجل سنة من انسحابه من الشركة من اجل طلب فتح المسطرة في مواجهته.
ثالثا : فتح المسطرة تلقائيا من طرف المحكمة:
حيث يكون ذلك في الحلات التالية:
في حالة عدم تنفيذ الالتزامات المالية أو الديون الناجمة عن الالتزامات المبرمة في إطار اتفاق التسوية الودية. (المادة 563 من مدونة التجارة). حيث تنص هذه المادة على أنه "يمكن للمحكمة أيضا ان تضع يدها على المسطرة تلقائيا أو بطلب من النيابة العامة. لاسيما في حالة عدم تنفيذ الالتزامات المالية المبرمة في إطار الاتفاق الودي المنصوص عليه في المادة 556".
حالة العيب الشكلي في المقال الافتتاحي للدعوى المرفوعة من طرف الدائن.
بما أن المشرع أعطى إمكانية تقديم طلب بفتح مساطر المعالجة ضد المقاولة المدينة. فإنه بطريقة غير مباشرة يضع الملف بين يدي المحكمة. إن هي رأت أن المقال المقدم من طرف الدائن بهذا الخصوص غير مستوف للشروط الشكلية المتطلبة قانونا في المقال الافتتاحي ( الفصل 32 من ق م م مثلا). ففي هذه الحالة يمكن للمحكمة التجارية المرفوعة إليها الدعوى أن تتجاوز طلب هذا الدائن وتقضي من تلقاء نفسها بفتح مسطرة معالجة المقاولة.
حالة تنازل الدائن عن الدعوى الرامية إلى فتح المسطرة.
القاعدة في قانون المسطرة المدنية أن المحكمة المرفوعة إليها الدعوى تكون ملزمة في حالة تنازل المدعي عن دعواه. بالإشهاد على هذا التنازل والحكم بالتالي بعدم قبول الدعوى على الحالة. وذلك من دون ان تبحث فيما إذا كان المدعي المعني بالأمر قد استوفى ماله من حق على المدعي عليه أم لا.
إلا أنه وانسجاما مع كون مسطرة معالجة صعوبات المقاولة تعبير من النظام العام الاقتصادي. فإن للمحكمة التجارية ان تحكم. وبالرغم من تنازل الدائن عن هذه الدعوى من تلقاء نفسها بفتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة في مواجهة المدين المدعى عليه إذا ثبت لها من خلال الاستماع إلى المدعى عليه. ومن خلال ظروف النازلة. أن هناك توقفا عن دفع الديون المستحقة. ففي حكم صادر عن المحكمة التجارية بالرباط. لم تختص المحكمة بالإشهاد على التنازل المقدم من طرف الدائن بوصفه مدعيا. وإنما قضت برفض الطلب بعدما بحثت في الملف. وتبين لها أن وضعية المقاولة لا تفيد أنها متوقفة عن الدفع.
إجمالا. ان المحكمة لها الحق في ان تفتح المسطرة تلقائيا كلما تبين لها. بطريقة أو بأخرى ان هناك توقفا عن الدفع من طرف إحدى المقاولات. وهو ما يحتم على القضاء ان يلعب فعلا دوره في ميدان الأعمال والاقتصاد.
رابعا : فتح مسطرة المعالجة من طرف النيابة العامة.
لقد منح المشرع المغربي للنيابة العامة باعتبارها تسهر على المصلحة العامة والنظام العام الاقتصادي، دورا متميزا في المساطر المتعلقة بصعوبات المقاولة، نظرا لأهمية المقاولات في النسيج الاقتصادي وارتباطها بالجانب الاجتماعي والمصلحة العامة الاقتصادية. مما يجعل النيابة العامة دعما قويا لمصلحة المقاولات من أجل التقويم والتصحيح، بغية إقٌلاع اقتصادي الأفضل والأحسن، للمحافظة على استمرارية التشغيل والإنتاج، وإتاحة فرص جديدة للعمل لاستيعاب اليد العاملة ومحاربة البطالة. حيث نصت المادة 563 من مدونة التجارة على » يمكن للمحكمة أيضا ان تضع لديها على المسطرة تلقائيا أو بطلب من النيابة العامة... « ومن هذا المنطلق يمكن للنيابة العامة ان تتقدم بطلب فتح مسطرة المتابعة كيفما كانت طبيعة الدين مدنيا كان أو تجاريا على الرغم من أن طبيعة الدين جاءت مقترحة بصفة الدائن فحسب لعيب في الصياغة ولا يتقيد هذا الحق بأي أجل، إذ أن حق النيابة العامة في طلب فتح مسطرة المعالجة يستمر باستمرار حالة التوقف عن الدفع ما لم تتقادم الديون.
الفقرة الثالثة : الإجراءات التي يتعين على المحكمة إتباعها قبل البت في
طلب فتح مسطرة المعالجة.
لقد فرض المشرع في مدونة التجارة (المادة 567) على المحكمة المرفوعة إليها طلب فتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة ضرورة سلوك بعض الإجراءات قبل البت في هذا الطلب. وهذه الإجراءات هي:
أولا .ضرورة الاستماع لرئيس المقاولة المدعى عليها.
وهو إجراء إجباري. حيث استعمل المشرع في المادة 567 من مدونة التجارة. لفظة "تبث" التي تفيد الوجوب. تقول المادة 567. تبث المحكمة بشأن فتح المسطرة بعد استماعها لرئيس المقاولة. أو استدعائه قانونا للمثول أمام غرفة المشورة". وهو إجراء الغرض منه إعطاء المدعى عليه فرصة للإدلاء بأوجه دفاعه. من جهة، ومن جهة ثانية إجراء من شانه أن يسمح للمحكمة بتكوين نظرة أولية عن هذه الوضعية وذلك بطريقة تحول دون تأثر سمعة المقاولة المعنية بالأمر مادام ان المسطرة المتبعة بغرفة المشورة لا تكون علنية.
لكن إذا حصل ان تخلف رئيس المقاولة عن الحضور رغم استدعائه بصفة قانونية. فإن المحكمة تعتبر هذا التخلف عن الحضور بمثابة قرينة على كون المقاولة المدعى عليها توجد في حالة توقف عن الدفع. مما يسمح لها كما يقول الأستاذ امحمد لفروجي بالحكم يفتح مساطر معالجة صعوبات المقاولة.
إلا أننا. لا نوافقه في ذلك. فقد يحث ان يتم التبليغ بالاستدعاء قانونيا. ورغم ذلك لم يصل إلى رئيس المقاولة وبالتالي لم يحصر. وغيابه له ما يبرره أضف إلى ذلك ان الغياب لذاته لا يعتبر قرينة عن التوقف عن الدفع.
ثانيا . الإجراء المتمثل في إمكانية الاستماع لأي شخص آخر أو اخذ رأي ذوي الخبرة.
وهو إجراء اختياري. حسب الفقرة الثانية من المادة 567. من مدونة التجارة. التي استعمل فيها المشرع. لفظ "يمكنها". وهو لفظ يفيد الجواز والاختيار. تنص الفقرة الثانية من هذه المادة على انه » يمكنها أيضا الاستماع لكل شخص يتبين لها ان أقواله مفيدة. دون أن يتمسك بالسر المهني. كما يمكنها ان تطلب من كل شخص من ذوي الخبرة إبداء رأيه في الأمر « .
ثالثا. الأجل الذي يتعين على المحكمة التقيد به للبت في طلب فتح مسطرة معالجة الصعوبات.
تنص المادة 567 في فقرتها الأخيرة على أنه » تبت (أي المحكمة) بعد خمسة عشر يوما على الأكثر من رقع الدعوى إليها « ومما يتسفاد من لفظ "تبت" أن المشرع يلزم المحكمة بان تفصل في طلب داخل مدة لا يمكن أن تتجاوز 15 يوما من يوم تقديم الطلب إلى المحكمة.
إلا أن الملاحظة من خلال عدة أحكام كما يقول الأستاذ محمد لفروجي. أن المحاكم لا تلتزم بهذا الأجل.
خاتمة
إن الدور المهم والبارز الذي تلعبه المقاولة كنواة للاقتصاد الوطني وتأثيرها على النظام العام الاقتصادي إضافة على ما يشهده المحيط الخارجي لبلادنا من ديناميكية دفع بالمشروع الغربي إلى تبني نظام صعوبات المقاولة كبديل لنظام الإفلاس الذي أثبت عدم نجاعته، واليوم أصبحت جهات متعددة معنية ومتدخلة في نظام صعوبات المقاولة وعلى رأسها الدور الحديث للقضاء الذي أصبح دوره التقني المتمثل في إلزام حرفية النصوص متجاوزا. بحيث أصبح بروز قضاء اقتصادي فعال مطلوبا وبشدة لأن من شانه تقوية الضمانات المطمئنة للاستثمار وتخليق الحياة الاقتصادية ومساعدة المقاولة المواطنة على النهوض بدورها التنموي لذلك فهو مدعو لتفعيل النظام الجديد للمساطر الجماعية، مستحضرا أهدافه وخلفياته الاقتصادية والاجتماعية.

0 commentaires: